وسواس المرض، المعروف طبيًا باسم اضطراب القلق من المرض (Illness Anxiety Disorder)، هو حالة نفسية يعاني فيها الشخص من خوف مفرط ومستمر من الإصابة بمرض خطير، حتى في غياب أعراض جسدية حقيقية، أو عند وجود أعراض بسيطة لا تدعو للقلق. الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب يميلون إلى تفسير أي إشارة جسدية طبيعية كدليل على وجود مرض خطير، ما يخلق دائرة مستمرة من القلق والفحص والبحث.
هذا الاضطراب لا يتعلّق بالخداع أو التمثيل، بل هو قلق حقيقي يشعر به المريض، ويؤثر بشكل مباشر على جودة حياته اليومية، وعلاقاته، وعمله، وصحته النفسية.
الفرق بين وسواس المرض والقلق الصحي الطبيعي
من الطبيعي أن يقلق الشخص بشأن صحته في بعض الأحيان، خصوصًا عند ظهور أعراض جديدة أو عند وجود تاريخ عائلي لمرض معين. لكن في وسواس المرض، يكون هذا القلق مستمرًا ومبالغًا فيه، ولا يتناسب مع الواقع. فحتى بعد الاطمئنان من الطبيب أو إجراء فحوصات طبية طبيعية، يستمر القلق ويتكرر.
الأعراض الشائعة لوسواس المرض
تختلف الأعراض من شخص لآخر، لكنها غالبًا ما تشمل:
- القلق المستمر من الإصابة بمرض خطير رغم الفحوصات السليمة
- المبالغة في تفسير الأعراض الجسدية الطبيعية مثل خفقان القلب أو صداع بسيط
- البحث المتكرر على الإنترنت عن الأعراض
- زيارة الأطباء بشكل مفرط أو العكس تمامًا (تجنب الأطباء خوفًا من سماع تشخيص مقلق)
- صعوبة الاقتناع بتطمينات الأطباء أو نتائج الفحوصات السليمة
- التأثير على العلاقات الاجتماعية بسبب الحديث المستمر عن المرض
- انخفاض الأداء المهني أو الدراسي بسبب الانشغال الدائم بالصحة
الأسباب المحتملة وراء وسواس المرض
لا يوجد سبب واحد واضح لهذا الاضطراب، لكنه يُعتقد أنه ناتج عن مزيج من العوامل النفسية والبيولوجية والبيئية. ومن أبرز هذه العوامل:
- تجارب سابقة مع المرض: مثل وفاة قريب بمرض مفاجئ، أو إصابة شخصية سابقة بمرض خطير
- نمط التفكير القلق: بعض الأشخاص لديهم استعداد نفسي للقلق المفرط، وقد يتحول هذا القلق إلى تركيز على الصحة
- نقص الوعي الصحي الصحيح: ما يجعل الشخص يفسر الأعراض الجسدية الطبيعية على أنها دليل على مرض خطير
- اضطرابات نفسية مرافقة: مثل الاكتئاب أو اضطرابات القلق الأخرى
- التجارب في الطفولة: مثل العيش في بيئة مفرطة القلق حول الصحة أو وجود والد/والدة يعاني من قلق صحي مفرط
اقرأ أيضًا: معلومات عن الوسواس القهري
كيف يؤثر وسواس المرض على حياة الشخص؟
الانشغال المستمر بالصحة يسرق من الشخص راحته النفسية. قد يتوقف عن ممارسة أنشطته الاجتماعية خوفًا من التعرض للعدوى، أو يقضي وقتًا طويلاً في مراجعة التقارير الطبية وتفسير الأعراض. كما أن التردد المستمر على العيادات أو أقسام الطوارئ يجهد النظام الصحي، ويزيد من التوتر لدى الشخص، دون أن يحصل على راحة أو طمأنينة حقيقية.
وقد يتطور الأمر إلى الشعور بالإرهاق، فقدان الثقة بالأطباء، أو حتى الدخول في نوبات اكتئاب، خصوصًا عندما يشعر الشخص أن لا أحد يفهم معاناته.
طرق التشخيص
يتم تشخيص وسواس المرض من قِبل أخصائي نفسي أو طبيب نفسي، باستخدام معايير محددة، أهمها ما ورد في DSM-5. يشترط أن يستمر القلق من المرض لمدة 6 أشهر على الأقل، وأن يكون غير مبرر طبياً أو مبالغًا فيه مقارنة بالأعراض الفعلية. غالبًا ما تُستخدم مقابلات سريرية واستبيانات لتقييم الحالة.
يتم أيضًا استبعاد وجود أمراض جسدية حقيقية أولاً، وكذلك التمييز بين هذا الاضطراب واضطرابات أخرى مثل اضطراب الجسدنة أو اضطراب القلق العام.
علاج وسواس المرض
وسواس المرض يمكن التحكم به بشكل فعّال عند الحصول على الدعم المناسب. من بين أكثر الطرق فعالية:
العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
يُعد العلاج المعرفي السلوكي الخط الأول لعلاج وسواس المرض. يساعد المريض على:
- فهم العلاقة بين أفكاره ومشاعره وسلوكياته
- التعرف على الأفكار غير المنطقية حول الصحة
- تقليل عدد مرات فحص الجسم أو التحقق من الأعراض
العلاج الدوائي
في بعض الحالات، يُستخدم العلاج الدوائي لدعم العلاج النفسي، خصوصًا إذا كان المريض يعاني من اكتئاب أو قلق حاد. من الأدوية المستخدمة:
- مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين (SSRIs) مثل فلوكستين أو سيرترالين
- مضادات القلق عند الحاجة وتحت إشراف طبي
التعليم النفسي
تثقيف المريض حول طبيعة اضطرابه ودحض المفاهيم الخاطئة عن الأمراض يساعد كثيرًا في تقليل القلق.
هل يمكن التعافي من وسواس المرض؟
رغم أن وسواس المرض يُعد اضطرابًا مزمنًا في بعض الحالات، إلا أن كثيرًا من الأشخاص يتمكنون من إدارته بفعالية عبر العلاج المناسب والدعم النفسي. المفتاح هو طلب المساعدة في وقت مبكر، والالتزام بالعلاج وعدم الاستسلام للقلق.
المراجع: