اضطراب الشخصية المرتابة (Paranoid Personality Disorder – PPD) هو نمط من التفكير غير الواقعي يجعل الشخص عالقًا في دائرة مغلقة من الشكوك والتفسيرات غير المنطقية للأحداث من حوله. يرى العالم من منظور الريبة والارتياب، فيُفسر التصرفات اليومية العادية على أنها تهديد أو نية سيئة موجهة ضده، مما يعزز قناعاته الخاطئة ويُغذي شكوكه. هذا النمط من التفكير يرافقه شعور دائم بالتوتر، وسلوكيات تتسم بالاندفاع والانفعال المبالغ فيه.
يبدأ هذا النمط من التفكير في مرحلة مبكرة من البلوغ، وقد يستمر مع الشخص معظم حياته، مما يسبب له صعوبات في العلاقات الاجتماعية والعمل والثقة بالآخرين.
السمات الرئيسية لاضطراب الشخصية المرتابة
الشخص الذي يعاني من هذا الاضطراب قد يبدو لك دائم الارتياب، يحلل كلمات وتصرفات الآخرين بطريقة سلبية، ويتوقع الغدر حتى من أقرب الناس إليه. من السمات المميزة:
- الشك الدائم في نوايا الآخرين، وتفسير سلوكهم على أنه تهديد أو تقليل من شأنه.
- الحساسية المفرطة للنقد، ولو كان بسيطًا أو بنية طيبة.
- العزلة الاجتماعية الناتجة عن فقدان الثقة حتى بالأصدقاء أو الشركاء.
- التفكير المفرط في “نظريات المؤامرة”، سواء على مستوى العلاقات الشخصية أو الحياة العامة.
- التردد في الإفصاح عن المعلومات خوفًا من استغلالها.
- صعوبة في التسامح، والحقد طويل الأمد على من أساء إليه في الماضي – من وجهة نظره.
- الغيرة المفرطة، خاصة في العلاقات العاطفية، والاعتقاد المستمر بأن الطرف الآخر يخونه.
الأسباب وعوامل الخطر
لا يوجد سبب واحد معروف لهذا الاضطراب، لكن يعتقد الباحثون أنه نتيجة لتفاعل عدة عوامل:
- عوامل وراثية: هناك دلائل على أن اضطراب الشخصية المرتابة قد يكون أكثر شيوعًا في العائلات التي يوجد فيها تاريخ لاضطرابات ذهانية، مثل الفصام.
- البيئة: قد تساهم تجارب الطفولة مثل الإهمال العاطفي، أو العيش في بيئة غير آمنة أو مليئة بالخداع، في تطور هذا النمط من التفكير.
- الخبرات الشخصية: الأشخاص الذين تعرضوا للخذلان أو الخيانة في الماضي قد يطورون نمطًا من الشك كآلية دفاعية ضد الأذى.
كيف يؤثر هذا الاضطراب على الحياة اليومية؟
الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية المرتابة يعانون من صعوبة كبيرة في بناء علاقات مستقرة. فهم يفسرون النوايا الحسنة بشكل سلبي، ويظنون أن الناس “يخفون شيئًا” أو “يلعبون ضدهم”. لذلك:
- غالبًا ما يفضلون العزلة، ويبتعدون عن التجمعات الاجتماعية.
- قد يعانون في بيئة العمل بسبب صراعات دائمة مع الزملاء أو المدراء.
- تتدهور العلاقات العائلية والعاطفية بسبب الغيرة، انعدام الثقة، وعدم القدرة على المسامحة.
التشخيص
يتم التشخيص من قبل مختص في الطب النفسي أو علم النفس من خلال:
- مقابلة سريرية مفصّلة، تشمل التاريخ الشخصي والعائلي والسلوكي.
- استبعاد حالات أخرى مثل الفصام أو اضطراب الوهام (Delusional Disorder)، لأن الأعراض قد تتشابه.
- لا يشترط وجود أوهام أو هلوسة كما في الفصام، لكن هناك نمط مزمن من الشك وعدم الثقة يؤثر على الأداء اليومي.
طرق علاج الشخصية المرتابة
من أبرز التحديات في علاج اضطراب الشخصية المرتابة أن المصاب به غالبًا لا يعترف بوجود مشكلة، ويشك حتى في نوايا المعالج النفسي. ومع ذلك، فإن العلاج ممكن ويؤتي ثماره على المدى الطويل إذا تم الالتزام به.
1. العلاج النفسي
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يُساعد المريض على تحدي أفكاره السلبية وتحسين طريقة تفسيره لمواقف الحياة.
- العلاج النفسي الفردي: يُفضل على العلاج الجماعي، لأن المصاب قد يشعر بالتهديد من الآخرين في الجلسات الجماعية.
2. العلاج الدوائي
لا توجد أدوية مخصصة لاضطراب الشخصية المرتابة، ولكن في بعض الحالات يتم استخدام أدوية لعلاج أعراض مصاحبة مثل:
- مضادات الاكتئاب إذا كان المريض يعاني من اكتئاب مزمن.
- مضادات القلق لتخفيف حدة التوتر والتهيج.
- مضادات الذهان الخفيفة إذا ظهرت أعراض شديدة من الارتياب أو العدوانية.
متى يجب مراجعة الطبيب؟
إذا لاحظت على نفسك أو على أحد المقرّبين سلوكًا مفرطًا في الشك والارتياب، يتسبب في مشاكل واضحة في العلاقات أو العمل، فالتوجه لطلب المساعدة من أخصائي نفسي أو طبيب نفسي هو خطوة مهمة.
قد يهمك: أسباب أرق النوم
المراجع: