اكتئاب ما بعد الولادة: كم يستمر؟ وهل له علاج؟

اكتئاب ما بعد الولادة

تعتبر فترة الحمل والولادة من أكثر الفترات التي قد تكون مليئة بالتحديات والتغييرات عاطفيًا وجسديًا لدى المرأة، وبالرغم من الفرحة الكبيرة التي تشعر بها الأم بعد ولادة طفلها الجديد، إلا أن هناك نسبة من النساء يمرون بفترة من الحزن والكآبة بعد الولادة، وهذا ما يُعرف بـ “اكتئاب ما بعد الولادة”.

هذه الحالة، التي قد تكون صعبة ومحبطة للعديد من الأمهات، تحتاج إلى فهم ودعم وعلاج ملائم لضمان سلامة وصحة الأم والطفل. 

في هذا المقال، يقوم الدكتور معن العبكي أخصائي الطب النفسي ومعالجة الإدمان بذكر أهم المعلومات حول اكتئاب ما بعد الولادة، وما هي مدة استمراره؟ وأبرز الطرق المتاحة لعلاجه ومواجهته.

اكتئاب ما بعد الولادة

إن إنجاب طفل عبارة عن تجربة تغير الحياة، فمن الطبيعي أن يكون لديك مشاعر القلق أو الشك بعد الولادة. ومع ذلك، إذا كانت مشاعرك تشمل الحزن الشديد أو الوحدة، والتقلبات المزاجية الشديدة ونوبات البكاء المتكررة، فقد تكونين مصابة باكتئاب ما بعد الولادة.

اكتئاب ما بعد الولادة هو حالة نفسية تظهر لدى بعض النساء بعد الولادة، ويتميز بالشعور بالحزن، الاكتئاب، والقلق الشديد والذي يؤثر على قدرتهن على الرعاية الذاتية ورعاية طفلهن الجديد.

لذلك إذا كنتِ تعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، فاعلمي أنك لست وحدك، وهذا ليس خطأك وأن المساعدة موجودة. يمكن للأخصائي النفسي مساعدتك على الشعور بالتحسن.

اقرأ أيضًا: أعراض الفصام العقلي

أنواع الاكتئاب ما بعد الولادة

توجد 3 أنواع مختلفة من الاكتئاب ما بعد الولادة، يمكن ذكرهم على النحو التالي:

الكآبة النفاسية

تؤثر الكآبة النفاسية على حوالي 50% – 75% من النساء بعد الولادة، حيث أن معظمهن يعانين من نوبات بكاء متكررة وطويلة دون سبب واضح، بالإضافة إلى الحزن والقلق. 

تبدأ الحالة عادةً في الأسبوع الأول (من يوم إلى أربعة أيام) بعد الولادة، وعلى الرغم من أن التجربة غير سارة، إلا أن الحالة عادة ما تهدأ خلال أسبوعين دون علاج.

اكتئاب ما بعد الولادة

يعد اكتئاب ما بعد الولادة حالة أكثر خطورة بكثير من الكآبة النفاسية، حيث أنه يؤثر على حوالي 1 من كل 7 آباء جدد، ويجدر بالذكر أنه في حال الإصابة بهذه الحالة من قبل فإن خطر الإصابة بالمرض يزيد إلى 30% في كل حمل. 

في هذا النوع قد تواجه الأم تناوبًا بين الارتفاعات والانخفاضات، والبكاء المتكرر، والتهيج والتعب، بالإضافة إلى الشعور بالذنب والقلق وعدم القدرة على رعاية الطفل أو نفسها. 

تتراوح الأعراض من خفيفة إلى حادة وقد تظهر خلال أسبوع من الولادة أو تدريجيًا، حتى بعد مرور عام. على الرغم من أن الأعراض يمكن أن تستمر لعدة أشهر، إلا أن العلاج النفسي أو مضادات الاكتئاب تعد فعالة للغاية.

ذهان ما بعد الولادة

ذهان ما بعد الولادة هو شكل شديد الخطورة من اكتئاب ما بعد الولادة ويتطلب عناية طبية طارئة، هذه الحالة تعد نادرة نسبيًا، حيث تؤثر على امرأة واحدة فقط من بين كل 1000 امرأة بعد الولادة. 

تحدث الأعراض عمومًا بسرعة بعد الولادة وتكون شديدة وتستمر لبضعة أسابيع إلى عدة أشهر، وتشمل الأعراض هياجًا شديدًا، وارتباكًا، ومشاعر اليأس، والأرق، وجنون العظمة، والأوهام أو الهلوسة، وفرط النشاط، وسرعة الكلام أو الهوس . 

يتطلب ذهان ما بعد الولادة عناية طبية فورية نظرًا لوجود خطر متزايد للانتحار وخطر إيذاء الطفل، عادةً ما يشمل العلاج العلاج في المستشفى والعلاج النفسي والأدوية المضادة للذهان.

أعراض اكتئاب ما بعد الولادة

تشمل ما يلي:

  • الشعور بالحزن أو عدم القيمة أو اليأس أو الذنب.
  • القلق المفرط أو الشعور بالتوتر.
  • فقدان الاهتمام بالهوايات أو الأشياء التي كنت تستمتع بها في السابق.
  • تغيرات في الشهية أو عدم تناول الطعام.
  • فقدان الطاقة والتحفيز.
  • صعوبة في النوم أو الرغبة في النوم طوال الوقت.
  • البكاء بدون سبب أو بشكل مفرط.
  • صعوبة في التفكير أو التركيز.
  • أفكار الانتحار أو تمني الموت.
  • عدم الاهتمام بطفلك أو الشعور بالقلق حول طفلك.
  • أفكار لإيذاء طفلك أو الشعور بأنك لا تريدين طفلك.

إذا كان لديك أي من الأعراض التالية، يرجى زيارة الأخصائي النفسي على الفور للحصول على المساعدة في أقرب وقت.

أسباب الإصابة بـ اكتئاب ما بعد الولادة

اكتئاب ما بعد الولادة يمكن أن يكون ناتجًا عن مجموعة من العوامل الفسيولوجية، النفسية والاجتماعية التي تتضمن:

التغيرات الهرمونية

بعد الولادة، تحدث تغيرات هرمونية كبيرة في جسم المرأة، حيث أنها تزيد مستويات هرمون الاستروجين والبروجستيرون بمقدار عشرة أضعاف خلال فترة الحمل ولكنها تنخفض بشكل حاد بعد الولادة، مما يمكن أن يؤثر على المزاج والشعور بالسعادة.

التعب ونقص النوم

الأمومة تتطلب الكثير من الوقت والجهد، وقد يؤدي النقص في النوم والإرهاق إلى ظهور أعراض الاكتئاب.

الضغوط النفسية والاجتماعية

قد تشعر الأم بالقلق أو الضغط من العديد من العوامل مثل التغييرات في الحياة اليومية، الدعم الاجتماعي، القلق حول القدرة على العناية بالطفل، أو التغييرات في العلاقة الزوجية، وهذا بدوره قد يؤدي للإصابة بالاكتئاب.

التغيرات الجسدية

تعد التغيرات التي يمر بها جسم المرأة بعد الولادة، مثل الوزن الزائد والتغييرات في الشكل، إلى انخفاض الثقة بالنفس والشعور بالحزن.

التاريخ النفسي

إذا كانت المرأة لديها تاريخ سابق من الاكتئاب أو اضطرابات نفسية أخرى، فقد تكون أكثر عرضة للإصابة بـ اكتئاب ما بعد الولادة.

كم من الوقت تستمر هذه الحالة؟

مدة اكتئاب ما بعد الولادة تختلف من امرأة لأخرى وتعتمد على العديد من العوامل، ولكن في العادة، يمكن أن يستمر اكتئاب ما بعد الولادة لفترة تتراوح بين عدة أسابيع إلى عدة شهور إذا لم يتم التشخيص والعلاج السريع.

هناك أيضًا الحالات التي يمكن أن تستمر فيها أعراض اكتئاب ما بعد الولادة لأكثر من ستة أشهر، وتُعرف هذه الحالة باكتئاب ما بعد الولادة المزمن.

مع ذلك، يجدر بالذكر أنه من الهام التعرف على الأعراض والبحث عن المساعدة الطبية إذا استمرت الأعراض لفترة طويلة أو إذا كانت شديدة للغاية، حيث يمكن أن تكون هناك حاجة للعلاج الطبي المناسب.

هل يؤثر الاكتئاب على الطفل؟

نعم، يمكن أن يؤثر اكتئاب ما بعد الولادة على الطفل بالطرق التالية:

  • وجود مشكلة في الارتباط بالطفل.
  • قد يعاني الطفل من مشاكل في السلوك أو التعلم.
  • قد يعاني الطفل من مشاكل في التغذية والنوم.
  • قد يكون الطفل أكثر عرضة للإصابة بالسمنة أو اضطرابات النمو.
  • إهمال رعاية الطفل أو عدم التعرف على مرضه.
  • قد يعاني طفلك من ضعف المهارات الاجتماعية.

اقرأ أيضًا: علاج أرق النوم

طرق تشخيص اكتئاب ما بعد الولادة

تشخيص هذه الحالة يعتمد على تقييم الأعراض والتاريخ الطبي للمريضة. فيما يلي الخطوات والطرق التي يمكن استخدامها للتشخيص:

التقييم السريري

يجري الطبيب مقابلة مع الأم للحصول على تفاصيل حول الأعراض التي تعاني منها، وتاريخ الاكتئاب وأي أمراض نفسية أخرى قد تكون لديها.

تقييم الأعراض

يتم تقييم الأعراض وفقًا لمعايير التشخيص المعترف بها، مثل:

  • الشعور بالحزن أو الكآبة.
  • فقدان الاهتمام أو اللذة في الأنشطة اليومية.
  • تغيير في الوزن أو الشهية.
  • الإفراط في النوم أو الأرق.
  • التعب أو فقدان الطاقة.
  • الشعور بالذنب أو عدم القدرة على التركيز.
  • التفكير في الانتحار أو الوفاة.

استخدام مقياس إدنبرة لتشخيص الاكتئاب

مقياس إدنبرة للكشف عن اكتئاب ما بعد الولادة، يتكون من 10 أسئلة تتعلق بأعراض الاكتئاب مثل الشعور بالتعاسة أو القلق أو الذنب. 

حيث أن الطبيب يطلب من الأم التحقق من الاستجابة الأقرب إلى ما شعرت به خلال الأيام السبعة الماضية، وتشير الدرجة الأعلى إلى احتمال الاكتئاب.

 فحص الدم

قد يطلب الطبيب إجراء فحص دم حيث أن أعراض هذه الحالة قد تكون مشابهة لأعراض أمراض أخرى، مثل: أمراض الغدة الدرقية.

طرق العلاج

يتطلب علاج هذه الحالة نهجًا شاملًا ومتعدد الاتجاهات، وقد يشمل التدخل الدوائي والعلاج النفسي والدعم الاجتماعي. 

إليك بعض الطرق الشائعة لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة:

العلاج النفسي للتخلص من اكتئاب ما بعد الولادة

قد يوصي الطبيب بنوعين من العلاج النفسي، هما:

  • العلاج المعرفي السلوكي: يركز على تغيير الأفكار والمعتقدات السلبية والسلوكيات التي تؤدي إلى الاكتئاب.
  • العلاج النفسي التحليلي: يساعد على التعرف على الأسباب العميقة للاكتئاب وكيفية التعامل معها.

  العلاج الدوائي

قد يصف الطبيب بعض مضادات الاكتئاب لإدارة أعراض الاكتئاب، فهي تساعد على موازنة المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ والتي تؤثر على المزاج.

ومن أبرز الأمثلة على الأدوية المضادة للاكتئاب والآمنة للاستخدام حتى خلال فترة إرضاع الطفل، ما يلي:

  • سيرترالين (Sertraline).
  • فلوكستين (Fluoxetine).
  • دولوكستين (Duloxetine).
  • ديسفينلافاكسين (Desvenlafaxine).
  • بوبروبيون (Bupropion).
  • إيميبرامين (Imipramine).

الدعم الاجتماعي والعائلي

يمكن للدعم النفسي والاجتماعي من العائلة والأصدقاء أن يكون له تأثير كبير في تحسين حالة الأم النفسية.

النظام الغذائي والرياضة

اتباع نظام غذائي متوازن وممارسة النشاط البدني المنتظم يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على المزاج والحالة النفسية.

وعلى الرغم من أن الاكتئاب ما بعد الولادة قد تكون تجربة صعبة، إلا أنه يمكن علاجها بنجاح، في النهاية نشجع الأمهات الجدد على التحدث مع الأخصائي النفسي إذا شعرن بأعراض الاكتئاب، حيث يمكن تقديم الدعم والمساعدة وتوجيههم إلى العلاج المناسب لتحسين الحالة النفسية والعودة إلى الحياة الطبيعية والاستمتاع بالأمومة بشكل أفضل.

لا تترددي في طلب المساعدة والدعم، فالرعاية المناسبة والدعم الفوري يمكن أن يجعلان فارقًا كبيرًا في تجاوز هذه المرحلة الصعبة بنجاح.

المصادر:

  1. Professional, C. C. M. (n.d.-c). Postpartum depression. Cleveland Clinic. https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/9312-postpartum-depression
  2. Postpartum depression – Symptoms and causes – Mayo Clinic. (2022, November 24). Mayo Clinic. https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/postpartum-depression/symptoms-causes/syc-20376617
  3. Bruce, D. F., PhD. (2003, March 24). Postpartum depression. WebMD. https://www.webmd.com/depression/postpartum-depression
Tags: No tags

Comments are closed.